التاج
الكتاب :وراد نديّة
الكاتبة : سهام خالد العامر
شريفة :ولكن يا أمي هل المظهر الجميل حرام ؟
أمي : لم أقل ذلك ..ولكن يا شريفة هذا الحديث ناقشته معك مرارا ً ولا أريد أن يعاد ثانية اسمعتي ؟!
لماذا أرى أمي مختلفة عن باقي أمهات صديقاتي حتى عن خالاتي وزوجات أعمامي فهي لا تهتم بمظهرها .فموديل الفستان التي ترتديه يعود لسنين أو أكثر , ولا تشتري الفساتين والحقائب و الأحذية التي تباع في المحلات الكبرى , ولا تلقي بالا ً لعالم الماركات والموضة , فدائما ً تقول ما يقنعني ويناسبني سأرتديه ولهذا أتحاشى أن تكون معي في مجتمع صديقاتي وحتى في حفلات المدرشة لا أقدم لها يطاقة الدعوة خجلا أن يكون مظهرها غير مناسب , فتكون أضحوكة أمام صديقاتي خاصة أن أغلب أمهاتهن يهتممن بهذه الأمور ..آه نسيت قارئتي أن أخبرك أن أمي طبيبة أطفال أين أنها ذات مركز عال وذات علاقات اجتماعية واسعة ولهذا اعتبر أن من أساس الشخصية أن يكون مظهرها فاخرا ًملفتا للأنظار ومحل حديث عن الماركات التي تلبسها .
وفي عطلة الصيف رتب والدي لرحلة سفر سعيدة عن محطتين ستقوم بزيارة البلدة التي درست بها والدتي لأخذ بعض الكتب والبحوث التي تعينها على وظيفتها والمحطة الثانية لبلدة نقضي بها سفرة الصيف .
ووصلنا إلى المحطة الأولى وكانت إقامتنا في فندق من فنادقها وعند الصباح نزلت مع والدتي لمطعم الفندق لتناول وجبة الإفطار ..وها أنا نسيت مره أخرى أن أخبرك قارئتي أمي تحافظ على ارتداء العباءة وغطاء الوجه حتى في السفر ..دخلنا المطعم وأغلب الناس الذين يرتادونه ينظرون إلى أمي و كأنها كائن من كوكب آخر هذا يبحلق بعينيه ..وهذا يضحك ..وهذا يغمز ..وهذا يشير بإصبعه ..وهذا مندهش ..كنت أسير بجانب أمي خجلة لا أعرف ماذا أفعل ...
فقلت لأمي : لماذا لا نطلب وجبة الإفطار في الغرفة ؟!
فقالت وما الخطأ أو العيب ولماذا لا نأكل هنا ..
قلت : ولكن ألا ترين الناس هنا كيف ينظرون إلينا
قالت عزيزتي إنهم لا ينظرون إليك إنما ينظرون إلي ّ أنا فهذا الأمر يخصني أنا لا أنت ..هيا لنختار طاولة ومن ثم لنذهب لبوفيه الإفطار .
جلست على الطاولة أنظر والدتي تسير للبوفيه غير مبالية لنظرة الناس إليها .
قلت في نفسي ماشاء الله عليك يا أمي فعلا ً أنت ذات شخصية قوية لا يهزك شيء أبدا ً.
تبعتها للبوفيه واخترنا وجبتنا وعدنا أدراجنا للطاولة وإذ نراها في حالة فوضى فالملح والفلفل منتشر على المفرش كما هناك أن ماء المزهرية مسكوب وقطعت الوردة والكراسي مملوءة بالماء ..
وقفت مندهشة ومتضايقة فقلت لها : ها ..ما رأيك الآن لقد قلت لنطلب وجبة الإفطار في الغرفة أفضل ...
لم تعرني اهتماما ً وطلبت مني أن نذهب لطاولة أخرى دون أن نتكلم تبعتها وأنا غاضبة , جلست أمامها وانظر إليها ما ردة فعلها إنها تأكل ببرود أعصاب وتقرأ الصحيفة , لم استطع الأكل حينها كان همي معرفة هؤلاء العابثين بثواني قليلة عرفتهم إنهم أصحاب الجريمة فالضحك بصوت عال ٍ والنظر إلينا وتتبع حركاتنا لأكبر دليل على ذلك ..
فقلت لها :أمي أين أبي لما لا يشاركنا وجبة الفطور .
فقالت : حبيبتي ..ألا تعرفين أبيك أنه لم يعتد تناول الفطور ..
انتهت أمي من وجبتها وأنا لم أذق شيئا سوى عصير البرتقال وكان همي أن نخرج من هذا لمكان الذي كاد يخنقني بل خنقني فعلا ً ..وشغل فكري حدث الصباح اليوم بطوله , تارة أقول لو أن أمي تخلع العباءة وترتدي فستانا ً مناسبا ً وحقيبة وحذاء لماركات مشهورة لما حدث ذلك أنا أعلم أن الإنسان يقاس بمظهرة ..وفي صباح الغد دقت أمي باب غرفتي فتحت لها أقول : أمي ...لا أريد أن آكل وجبة الإفطار
فقالت : هيا فأنت لم تاكلي وجبة العشاء ..هيا كلي وجبة الإفطار خفيفة وخاصة أنها تحتوي على كوب حليب وهل سأذكرك بأن والدتك طبيبة ..
نزلت مع أمي لمطعم الفندق وأنا مكرهة لدى دخولنا باب المطعم ؟!
قفز أمامنا شاب قد وضع مفرش الطاولة على رأسة كأنه شبح يخيفنا وأصدقاؤه يضحكون بصوت عال وتاره يضعه على وجهة وتاره مثل نقاب الوجة و يقفز كالمهرج .
أمسكت بيد أمي شددتها فقلت لها : هيا أمي أريد أن أخرج ..
فقالت وهي تشد يدي إلى الأمام هيا ..لا تكوني جبانه هؤلاء الصنف من الناس من تركهم دون الرد عليهم أفضل عقاب لهم .
جلسنا على الطاولة فقالت لي .. :هيا يا شريفة اذهبي أنتِ أولا ً اختاري طبقك , وأنا سأجلس لأحرس المكان لا نريد أن نترك الطاولة خالية حتى لا يكون مصيرها مثل مصير الطاولة الأمس .
كنت آكل ولكن لا أحس بالارتياح فصوت المجموعة المشاغبة عالٍ
ذلك أنهم يتحدثون بلغة لا أفهمها وكأن الحديث موجه إلينا .
انتهينا من وجبة اليوم الثاني ولا تصدقين عزيزتي القارئة إذا وضعت رأسي لنوم الليل .ينشغل ذهني بوجبة الإفطار الغد وافكر إصرار والدتي أن تكون وجبتها في المطعم وتاره أفكر بهذه المجموعة المستمرة بإذائنا ..
وفي اليوم الثالث هذا اليوم الذي لا ولن أنساه طول حياتي حيث حُفر في قلبي بذاكرتي , فقد نزلت مع والدتي كالمعتاد و انا حزينة وقلقة اعتذرت بادئ الأمر وحاولت أن اختلق عذرا ً ولكن علمني والدي ّ الصدق منجاة والكذب كما يقولون حبله قصير فتحاشيت ذلك .
ذهبت مع والدتي إلى المطعم ..وها هي المجموعة نفسها تستقبلنا مثل أمس
قلت لأمي :هل حدثت والدي عن هذه المجموعة .
فقالت :لا لأن هذه الأمر شيء اعتيادي في هذه البلاد لم أشغل بال أبيك بأمور تافهة .
نظرت إلى أمي وانا أفكر هل أمي صواب أو خطأ وان كانت على خطأ فأين الخطأ التي ارتكبته ..
..بينما نحن جلوس نأكل وجبة الإفطار وإذا بالشاب صاحبنا الذي بالأمس وقف أمام والدتي يقفز كالمهرج ..سقط مغشياً عليه بين صرخات واستغاثة أصدقائه ووالدته تصرخ وبطاء اخته وحزن والده ..لقد انحشرت في حلقه قطعة خبز يابسة ..لقد انقلب المطعم في حالة فوضى . الصراخ في كل مكان والبكاء وأخذ يصرخ والده باعلى صوته :ألا يوجد طبيب هنا , إبني يموت اتصلوا بالإسعاف ؟أريد المساعدة .
وقفت والدتي وقالت :أنا طبيبة ..نظر إليها بتعجب ودهشة ..
فقالت لي شريفة ..إذهبي إلى غرفتي واحضري بسرعة حقيبة الإسعاف .
وأحضرتها بسرعة وها انظر إلى مشهد هز كياني وذاتي فأمي تقدم الإسعافات الأولية ..وبعد ان اسعفته
قالت لوالده :عليه أن يرتاح قليلا ً والأفضل بعدها ان يخرج لمكان به هواء طلق نقي ليجدد هواء رئته أتمنى له الشفاء .
المجموعة ملتفه حول والدتي ينظرون إليها بذهول ودهشة
يقولون لبعضهم البعض : اسمعتم ..إنها تتحدث اللغة الإنجليزية ..
بعدها حملت حقيبة أمي اطلبية سرت بجانبها أشعر بفخر و اعتزاز لم أشعر به من قبل اتجاهها.
حدثنا والدي بأمر الموقف الذي حصل ثم خرجنا بعدها قضينا اليوم بأكمله خارج الفندق .
عندما عدنا ليلا ً ذهبت لغرفتي لألقي بنفسي على السرير من تعب اليوم .
رن جرس الهاتف إنها أمي تطلب مني أن أحضر غرفتها . دخلت غرفة والدي وانا متسائلة استوقفتني باقة ورد كبيرة وهديتين احداهما لي ّ .
والمفاجأة كانت من عند المجموعة المشاغبة قلت : ما هذا يا أمي أهذا كله لنا جزاء عملك لا أصدق يا سبحان الله بالأمس كنا لهم اعداء واليوم يعتبرونا أصدقاء ..
ابتسمت أمي وهي تقول :لا نستعجل الأمور فلنأخذها بصبر وتأن ..
وبعدها بدقائق استقبل والدي مكالمة هاتفية تخبره لقد تركوا لنا ثلاث بطاقات دعوة للعشاء في مطعم فاخر ضحكنا سويا .ورجعت لغرفتي وانأ استرجع الأيام الثلاثة ولكن حدث الصباح غير نظرتي لوالدتي
وعرفت خلالها الإنسان لا يقاس لما يرتدي وإنما بأخلاقه وشخصيته وعمله ..بعدها لم أعد أجادل والدتي على الموضوع ..ومع بداية العام الدراسي دعيت صديقاتي على دعوة عشاء لنية خافية حيث كنت أدعو واذكر أمي دائما بان تتحدث عن تلك الحادثة والتي كنت دائما أشعر بالحبور والسرور عندما تستعرضها أمي وأمني نفسي بأمنية في أن أًعرف العالم كله بأمي
قائلة بملأ فمي :أمي هي تاج راسي أفتخر بها أمام نفسي وأهلي وناسي