لماذا يكثر الحديث عن الاختلاف والخلاف والتعارض والأحادية ونبذ الرأي الآخر وغيرها من الكلمات التي تتحدث عن قاعدة بدت جلية في هذا العصر تقول (إن لم تكن معي فأنت ضدي) في الوقت عينه لا نتحدث عن المحرك الأساس للخلاف والاختلاف.. في نظري المتواضع ان سلامة الصدر وتجرده من حب الانتصار الشخصي وحب العلو على الخلق والإذعان للحق حتى لو أتى من العدو هو الحل الأمثل للقضاء على ما نشهده في هذه الأيام من تفرق واختلاف وتشرذم.
اخبرني كيف نصل الى نقاط اتفاق وعناصر التقاء بيني وبينك اذا كنت انت عينك وذاتك في نظري موضع اتهام؟
كيف أتقبل ما تقوله واستمع لكامل حديثك واطروحاتك وانا افترض اصلا قبل أن تنبس ببنت شفة انك غير صادق في نيتك وانك تسعى للهدم واني أنا وحدي منقذ الواقع والذي أعلم خير الخيرين وشر الشرين.. واني الوحيد الذي امير بين المصالح والمفاسد..
ولهذا بداية نؤكد ان أول طريق صالح للالتقاء هو تصحيح النية وتجردها للحق.. وألا يكون قصدنا من اي لقاء أو حوار او تناظر الا الحق ولا شيء سواه.. ليس المهم ان اكون انا المصيب ولا تثريب ان تكون أنت المخطئ.. المهم ان نصل الى ما يحقق المصلحة العامة للأمة وجمع الكلمة ونبذ الخلاف الذي يشتت الجهود.
ثاني أمر مهم يعقب تصحيح النية واحسان الظن بالغير وسلامة الصدر من أمراض الحقد والحسد هو ان يدع الانسان ما لا يحسنه لمن يحسنه! فحسن النية لا يكفي.. ألا توافقني ان حرص أمّ تشاهد وليدها يتلوى امامها لا يسوغ لها ان تباشر علاجه؟.. بل تذهب به إلى من يحسن الطب ويعلم اسراره.. بل حتى في مجال الطب مثلا لم نر ابدا من يذهب لطبيب الاسنان حتى يشكو له ما يجده من الم في الباطنة مثلا! ولو ترك كل واحد منا الشيء الذي لا يحسنه واحاله لمن يحسنه كل حسب تخصصه لخفت حدة كثير من الحوارات والخلافات.. وقديما قيل (من تحدث في غير فنه أتى بالعجائب) وهذه العجائب في الحقيقة يدركها المتخصص في هذا المجال ولا يدركها العامة من الناس.. وهنا المشكلة! لأنه اذا تحدث انسان فيما لا يحسنه وقرأت العامة ما يكتب وكان يوافق اهواءهم وكتب بلسان سهل فانهم يتأثرون به ويصدقونه بينما المتخصص يعلم الحقيقة ولذا يسهم في كتابة الردود وتبدأ رحلة الحوار الطويل الذي كان مبدؤه هو تحدث شخص فيما لا يحسن.
ثالثاً: أن تعطى كل مسألة حجمها ومكانتها فلا افراط ولا تفريط.. لا غلو ولا جفاء.. فان كان مسألة مما يسوغ فيها الاجتهاد.. او كان خلافا فرعيا لا تثريب على أحد فيه فالمصيب فيه مأجور والمخطئ له اجر اجتهاده.. فينبغي الا تطول جلسات الحوار وصفحات المقال في مثل هذه المسائل ففي جسد الأمة من الجراح وفي فكرها من الزلل والخلل ما يكفي ان نلتفت اليه.. وما ضرنا اكثر من تقديمنا فروض الكفايات على الواجبات.. والفرعيات على الأصول.. والمهم على الأهم..
رابعاً: مراعاة المصلحة في كل ما نأتي وما نذر.. ولنتذكر دائما ان ما يحسن قوله في زمان ومكان ما لا يعني صلاحه لكل مكان وزمان.. وما يحسن أن ينطق به العالم والمثقف والمسؤول الذي يتبعه الناس ويتأثرون بما يقول يختلف عما يقوله غيرهم.. فالأمة أمانة في اعناق اصحاب الكلمة ومن يملكون التأثير.. فالحرص على ما يجمع الكلمة ويوحد الصف يجب ان يكون القطب الذي تلتقي عليه وحواراتنا ولقاءاتنا.
خامساً وأخيراً: يجب أن نشجع روح التسامح فيما بيننا.. وان نتجاوز مراحل الماضي التي كنا فيها ضحايا سعة الوقت الذي ملأناه بخلافات لو كنا وقتها في شغل حقيقي وتفكير سديد لوجدنا طرقا كثيرة ننشغل بها في صناعة حياة تتسم بالبناء والاتحاد والتعاون.. وان يعذر بعضنا بعضا فيما يسوغ فيه العذر وان نعفو ونصفح ونسامح ان كان شيئاً يخص ذواتنا وان يكون همنا المصلحة التي تعود على الأمة ودينها وتراثها.. والله المستعان.