السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فصل في علوم القرآن
******
ذكر
القاضي أبو بكر بن العربي في كتاب قانون التأويل إن علوم القرآن خمسون
علما وأربعمائة وسبعة آلاف علم وسبعون ألف علم على عدد كلم القرآن مضروبة
في أربعة قال بعض السلف إذ لكل كلمة ظاهر وباطن وحد ومقطع وهذا مطلق دون
اعتبار تراكيبه وما بينها من روابط وهذا ما لا يحصى ولا يعلمه إلا الله عز
وجل
قال وأم علوم القرآن ثلاثة أقسام توحيد وتذكير وأحكام
فالتوحيد
تدخل فيه معرفة المخلوقات ومعرفة الخالق بأسمائه وصفاته وأفعاله والتذكير
ومنه الوعد والوعيد والجنة والنار وتصفية الظاهر والباطن والأحكام ومنها
التكاليف كلها وتبيين المنافع والمضار والأمر والنهي والندب
فالأول {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} فيه التوحيد كله في الذات والصفات والأفعال
والثاني {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}
والثالث {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ} ولذلك قيل في معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن". يعني في الأجر وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وقيل ثلثه في المعنى لأن القرآن ثلاثة أقسام كما ذكرنا وهذه السورة اشتملت على التوحيد
ولهذا المعنى صارت فاتحة الكتاب أم الكتاب لأن فيها الأقسام الثلاثة
فأما التوحيد فمن أولها إلى قوله {يَوْمِ الدِّينِ}
وأما الأحكام فـ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}
وأما التذكير فمن قوله {اهْدِنَا} إلى آخرها
فصارت بهذا أما لأنه يتفرع عنها كل نبت
وقيل صارت أما لأنها مقدمة على القرآن بالقبلية والأم قبل البنت
وقيل سميت فاتحة لأنها تفتح أبواب الجنة على وجوه مذكورة في مواضعها
وقال أبو الحكم بن برجان
في كتاب الإرشاد وجملة القرآن تشتمل على ثلاثة علوم علم أسماء الله تعالى
وصفاته ثم علم النبوة وبراهينها ثم علم التكليف والمحنة قال وهو أعسر
لإغرابه وقلة انصراف الهمم إلى تطلبه من مكانه
*************
وقال غيره القرآن يشتمل على أربعة أنواع من العلوم أمر ونهي وخبر واستخبار
وقيل ستة وزاد الوعد والوعيد
وقال محمد بن جرير الطبري يشتمل على ثلاثة أشياء التوحيد والأخبار والديانات
ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن : .
وهذه السورة تشمل التوحيد كله.
وقال علي بن
عيسى القرآن يشتمل على ثلاثين شيئا الإعلام والتنبيه والأمر والنهي والوعد
والوعيد ووصف الجنة والنار وتعليم الإقرار باسم الله وصفاته وأفعاله
وتعليم الاعتراف بإنعامه والاحتجاج على المخالفين والرد على الملحدين
والبيان عن الرغبة والرهبة الخير والشر والحسن والقبيح ونعت الحكمة وفضل
المعرفة
ومدح الأبرار وذم الفجار والتسليم والتحسين والتوكيد والتفريع والبيان عن ذم الإخلاف وشرف الأداء
قال القاضي أبو
المعالي عزيزي وعلى التحقيق أن تلك الثلاثة التي قالها محمد بن جرير تشمل
هذه كلها بل أضعافها فإن القرآن لا يستدرك ولا تحصى غرائبه وعجائبه قال
تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ}
وقال غيره علوم ألفاظ القرآن أربعة
** الإعراب وهو في الخبر
** والنظم وهو القصد نحو {اللاَّئِي لَمْ يَحِضْنَ}
معنى باطن نظم بمعنى ظاهر وقوله {قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ} كأنه قيل قالوا ومن يبدأ الخلق ثم يعيده فأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقول: "{اللَّهُ يَبْدأُ الْخَلْقَ} لفظ ظاهر نظم بمعنى باطن
** والتصريف في الكلمة كأقسط عدل وقسط جار وبعد ضد قرب وبعد هلك
** والاعتبار وهو معيار الأنحاء
الثلاثة وبه يكون الاستنباط والاستدلال وهو كثير منه ما يعرف بفحوى الكلام
ومعنى اعتبرت الشيء طلبت بيانه عبرت الرؤيا بينتها قال الله تعالى {فَاعْتَبِرُوا} بعد {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ} دل على أن انتقامه بالخروج من الدار من أعظم الوجوهو {لأَوَّلِ الْحَشْرِ} دل على أن لها توابع لأن أول لا يكون إلا مع آخر وكان هذا في بني النضير ثم أهل نجران {مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} إلا بنبأ وأنهم يستقلون عدد من كان مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ} فيه دليل على أن الإخراج مثل العذاب في الشدة إذ جعل بدله
وقد يتعدد الاعتبار نحو أتاني غير زيد أي أتياه أو أتاه غير زيد لا هو لو شئت أنت لم أفعل أمرتني أو نهيتني قال الله تعالى {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا} رد عليهم بأن الله لا يأمر بالفحشاء بدليل قوله {وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} فالاعتبار إباحة
ومن الاعتبار ما يظهر بآي أخر كقوله: {فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً} فهذه تعتبر بآخر الواقعة من أن الناس على ثلاثة منازل أي أحل كل فريق في منزلة له والله بصير بمنازلهم
ومنه ما يظهر بالخبر كقوله تعالى {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ} بمعنى الحديث: "إن اليهود قالوا لو جاء به ميكائيل لاتبعناك لأنه يأتي بالخير وجبريل لم يأت بالخير قط" وأي خير أجل من القرآن !
ومن ضروب النظم قوله تعالى {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ} إن حمل على أن يعتبر أن العزة له لم ينتظم به ما بعده وإن حمل على معنى أن يعلم لمن العزة انتظم
**************